حين ارمي بصري بعيدا في اطراف ذاكرتي الاولى , اتذكر تلك الساحة الممتدة من مسجد الشيخ نجيب البحري الذي هو موطني الروحي الى طلمبة الماء حيث تبتدي الجهة التي كنا نسميها " شرق" كانت هذه المساحة الكبيرة ماتين متر هي ملعبنا الكبير التي احتوت عظام طفولتنا حتى قويت فيها
كنا نلعب لعبة اسمها النكيسه حيث ننقسم الى فريقين الفريق الاول ينطلق حرا يفر من افراد الفريق الاخر الذي يتخذ من حائط موطن نسميه " الميس" وحسبما يقضي الاتفاق قد يكون على الميس حارسان من افراد الفريق الثاني او اكثر واحيانا يكون الميس طليقا بلا حراسه فاذا نجح افراد الفريق الاول في احتلال الميس قبل ان يمسك بهم احد فانهم يعاودون الانطلاق مرة اخرى وافراد الفريق الثاني يلاحقونهم
تشبهها لعبة اخرى نسميها ثابت واحد واربعين حيث يتم إلقاء القبض على افراد الفريق الحر بمجرد القول ثابت واحد واربعين فلان وينطق اسم من اكتشفه
لعبة اشبه بالعسكر والحرامية .. واتذكر يحي الذي كان يتخفى في ثياب امه لينجح في " التحليل" كان الفائز ما ان يلامس الميس حتى يصيح " حلّلت" وكان اخيه يلف المنطقة ويقفذ من نافذه صغيرة بكنيسة الملاك ليأتي من الجانب الاخر دون ان يلاحظه احد فكنا نطارده من نافذة باب الكنيسة الحديدية حيث يرانا قسيس ملوحا لنا : إلعبوا بعيد
ولعبة اخرى تدعى خارطة الجبنة القديمة وكانت من الالعاب المؤلمة حيث نقف في مربع في كل جهة يقف واحد والخامس يقف في المنتصف ينادي خارطة الجبنة القديمة فمن يفشل في الفوز باحد الاركان الاربعة يتلقى شلوطا على مؤخرته من الاربعة الباقين
ألعاب كثيرة ومنها مثلا الحنجيلة والسبيعة والسقوفة والطرة والوزير
وكان لي عظيم الفخر اني كنت عضو في اخر اجيال العصابات في المنطقة حيث كانت هناك عصابتان من الصبيه عصابة الشيخ نجيب البحري وعصابة الشيخ نجيب القبلي وكانت بيننا الصولات والجولات
ولازلت اذكر يوم الصلح الذي خدعونا فيه عصابة الشيخ نجيب القبلي فما ان حضرنا الى " كامب " المفاوضات حتى انهالت علينا قذائف الاحجار وقنابل التراب المسيلة للدموع والعمى الوقتي
كل هذا لم يكن عمري تجاوز الثامنة او التاسعة حتى ضاعت العصابتان التاريخيتان في مهب ريح الزمان
كان اليوم الذي اقدمت فيه الوحدة المحلية على رصف هذه المنطقة بالأسفلت هو اليوم الذي قضى على ابداعاتنا الطينية حيث كنا ننحت العرائس والتماثيل من الطين والطاحونة
وعلى ذكر الالعاب التي كنا نصنعها بأنفسنا كنا ايضا نصنع السيارات من البوص "اعواد الذرة الرفيعة " والالعاب الورقية
ان جيلي يتفوق على جيل البلاي استيشن بقدرته على الابداع والتخيل وانه كان يصنع ألعابه بيديه ولا يشتريها له احد
ومع ذلك لم يسلم الاسلفت من ابداعات عقولنا الصغيرة فكنا نمزقه الى قطع صغيرة ونحشو بها غطاء زجاجات المياة الغازية ونلعب لعبة المثلث التي يلعبها الاطفال اليوم بالبلي ..وكنا قديما قبل الاسفلت ان نحفر حفرة صغيرة في الارض ونلعب لعبة النواة مستخدمين نوى البلح
لم يمنعنا الاسلفت من الانطلاق ولم يمنعنا من الابتكار ولم يحجب عنا ابو رجل مسلوخة
حيث كنا نجتمع للاغارة ليلا على احد الشوارع وفي مكان ضيق بين منزلين يرمى الناس فيه قمامتهم ويحرقونها فيه كنا نظن ان ابو رجل مسلوخة وكنا نسميه ابو رجل محروقة انه يقطن في هذا المكان الضيق فنرمي بالحجارة وقذائف التراب رمية رجل واحد ونفر صائحين: اجري ياد قبل ما يطلع بوععععع بوععععع اجري اجري
ولم يكن ينتهي العام قبل ان يأتينا في اول كل سبتمر مولد الشيخ نجيب حيث تنتشر الالعاب ويأتي الغجر وبتوع المراجيح وحلقات الذكر..كنت اجلس الى حلقات الذكر بعيدا عن الزحام كي استمع ماذا يقول المداح؟
وكنا نندس وقت توزيع القرفة بين الصفوف لننال كوب القرفة
وينتهي المولد بليلة تسمى "الشيبيتي " حيث يأتي الزوار من كل القرى المجاورة لزيارة قبر الشيخ نجيب
ومن الاساطير التي قيلت في حق الشيخ نجيب انه ظل يحارب اعداءه اربعين يوما بدون رأس
وهي خرافات كانت تتناقلها ألسنة العجائز والمسنين ولكن لم يكن يعنينا صدق هذا من عدمه بقدر ما يعنينا البريزة اللي هنركب بيها المراجيح
وما زال الشاطئ يمتلئ بكثير من الذكريات منها هذه الانشودة حين كنا نلمح في وجه القمر حمرة فنظنه مخنوقا فكنا نجتمع وكل منا يحمل علبة فارغة او صفيحة كبيرة او يصفق على يديه بكل قوة وننشد
يا بنات الحور.. سيّبوا القمر
ده القمر مخنوق ..ومعندناش خبر
ملحوظة : الفقرة دي اتصورت لو تحبوا نذيع قولوا نذيع
:)